عندما يسيء ” الغباء ” للمشترك

admin15 أكتوبر 2022آخر تحديث : منذ سنة واحدة
admin
أحدث المقالاتإضاءات
عندما يسيء ” الغباء ” للمشترك

بلقم سعيد العنزي

■ حكمة الرجال تستنتج من احداث التاريخ ، و من لم يعتبر تكون المأساة حثما من نصيبه لسوء تقدير للمؤشرات . و الذكي من يستفيد من اخطائه و الذكي جدا من يستفيد من اخطاء غيره .

■ ” اقوال الحكماء منزهة عن العبث ” ، و الحكماء من يقدر العواقب قبل حدوث النوازل ، و يتوقع الأزمات قبل وصولها . و الحكمة تسائل الساسة و صناع القرار و تلزمهم بالتفكير الدقيق في بناء ” السينايروهات ” و تمثين سياسات عمومية منصفة . و كل استخفاف حثما ستكون له تداعيات .

■ مهما كان التحالف مع القوى الخارجية قويا ، و مهما كانت قوة و جباروت تلك القوى ؛ لامحالة تكون المراهنة هشة و لا تستقيم . ان القوة الحقيقية تكمن في توحيد قوى المجتمع الحية و ترميم الأخطاء بكل جرءة من اجل جبهة داخلية متلاحمة .

■ تقوية الجبهة الداخلية وحده كفيل بتحصين الوطن و بتعبيد الطريق امام بناء مؤسسات ذات مشروعية شعبية _ جماهيرية . و كل اساءة للجبهة الداخلية حثما سيؤسس لاستقرار شكلي ؛ و هو ما يتهدد بناء تجربة محترمة من لدن عموم المواطنين . ان القوة تكمن في الايمان الشعبي بالمشترك من اجل تمثين التميز و الاستثناء .

■ التوجه العام للسياسات العمومية خلال السنوات الاخيرة ، بكل صدق و بعيدا عن المزايدات ، ينحو منحى تدمير الدولة من الداخل . الانتقال التعسفي من دولة المواطنين الى دولة ” الزبناء ” سيفضي الى توثر العلاقة دولة _ ” مواطن ” . و من نتائج ذلك السخط و الغضب ازاء الدولة و المؤسسات . و بالثالي نسف الثقة و خلخلة دعائم السلم العام .

■ تراجع الرأسمال الرمزي الايجابي ل ” رجالات الدولة ” الاكفاء و الحكماء ، لصالح رجالات ” الكوكوت مينوت ” ، لا ريب سيعمق اجواء اللاتواصل ؛ و بالثالي تعميق جراح المجتمع في القطاعات الاستراتيجية كالتعليم و الصحة و الشغل . و هو ما سينتهي بفقدان الثقة في الدولة / المؤسسات .

■ التعامل مع المشكلات المطروحة بالاستخفاف و الاستهثار و الأذان الصماء ، لا مراء سيعمق فكرة ” اللاثقة ” في المؤسسات . و عليه سيتولد الاقصاء و الاقصاء المضاد ، و العنف و العنف المضاد . و بالثالي يصبح واقع حال المجتمع ” حرب ” الجميع ضد الجميع !! دون تواصل و لا تفاعل ايجابي و بناء ؛ اللهم عبر الاكراه و العنف المشروع .

■ توريط الدولة عبر تحمليها مسؤولية فشل المسؤولين في انصاف المواطنين يؤدي مباشرة الى تراجع المسؤولين الى الوراء ، و تقدم الدولة الى ملء الفراغ ؛ و بذلك يصبح الصراع مباشرا بين الدولة و الفعل الاحتجاجي . و من تداعيات ذلك الإساءة الى الدولة و الى مشروعية تدخلها المحايد و الذي يجب ان يكون فوق الجميع . فهي الحكم ( بالفتحة على الحاء ) ، و هي الضمير الجمعي و هي روح الوطن و هي ملاذ الغاضبين و افق الناجحين . و لا يجب ان تكون طرفا في الصراع مهما كان اللهم للإنصاف و بالقانون .

■ التراجح المكشوف عن دعم القطاعات الإجتماعية من خلال تقليص الميزانيات العمومية ، و يبقى قطاعي التعليم و الصحة نمودجا حيا في هذا الباب ، يؤسس لتحول خطير لدور الدولة في حماية السلم الاجتماعي . و من يظن ان اضعاف النقابات و سحب البساط من تحت اقدامها معطى ايجابي فمخطيء لا شك . فالاحتجاج المؤطر مؤسساتيا و المضمون دستوريا من مؤشرات سلامة المجتمع . و بقدرما تتراجع النقابات ، تحت دواعي موضوعية احيانا و ذاتية حينا ، و ترتكس المرافعة الحقوقية من لدن المنظمات المشتغلة في الفعل الحقوقي ، بقدرما يفتح المجال على مصراعيه امام الإحتقان الجماهيري ؛ ان خفوت نجم الزعامات النقابية التي تفاوض مؤسساتيا يفتح الباب امام ميلاد زعامات ذات ” كاريزما ” شعبية و التي ترافع غالبا من دون رزنامة واضحة و بحماس و انفعال شديدين ، و دون سقف مطلبي معقول سياسيا و اقتصاديا ، رغم سداد المطالب .

■ ما تسعى الحكومة الى تنفيده ، مواصلة للسياسات الفجة التي نهجتها الحكومة السابقة ، في مضمار لبرلة ( من الليبرالية ) العلاقات مواطن _ دولة . حثما ستكون له تداعيات وخيمة في المستقبل القريب على السلم الاجتماعي . و ازعم ان تراجع الطبقة الوسطى عن الدفاع عن حقوق الطبقات الشعبية ، تحت وقع ارهاقها بارتفاع تكاليف العيش و تدهور القدرة الشرائية بسبب تراجع دعم المقاصة ، مباشرة سيفتح الباب امام حركات رافضة عفوية ، و بالثالي سيتراجع منسوب الاحتجاج العاقل لصالح الانتفاضات غير المؤطرة . و اجزم ان المنحى الخطير الذي اتخذته السياسات العمومية في القطاعات الاجتماعية يشكل استفزازا مكشوفا و هو ما يقتضي باستعجال اعادة النظر قبل فوات الأوان . و يبدو ان رفع الدعم عن السكر و ” البوتان ” ستكون له تداعيات .

■ التعنث غير المبرر في الاستماع الى نبض الشارع لا يخدم إلا اعداء الاستقرار .. فمن أولى المهام المنوطة بالمسؤول العمومي ( موظفا كان او منتخبا ) تحقيق الامن الاجتماعي و تحصين السلم عبر خدمة المواطنين بصدق و تفان ، مع ضمان حقوق المرتفقين في مؤسسات الصحة و التعليم و الوظيفة و … و كل تأخر في الاستجابة للمطالب المعقولة سينتهي اما بالعنف ” المشروع ” او بالرضوخ تحت اكراهات الاحتجاج . و بالثالي يكون احقاق الحقوق تحت وطأة الخوف من جهة و الابتزاز في الجهة المقابلة . و هنا تضيع المقاربة الحقوقية المؤسساتية في احقاق الحقوق و تنتصر مقاربات الأمن و الاطفاء و شراء السلم الاجتماعي . انه الابتزاز بشكل ما .

■ ان اية محاولة ، مهما كانت خلفياتها ، تستخف بالرأي العام الوطني ، و بالمقابل تنتصر للمقاربة الامنية ستنتهي بالباب المسدود . ببساطة لأن كل توثر بين الدولة و المواطنين سيفقد الدولة مشروعية الفعل ، و بالثالي سيعمق مناخ الاحتقان و الغليان . و مهما كان الاستقرار فإذا لا يستند الى قواعد الاقتناع الشعبي فإنه حثما يؤسس لسلم اجتماعي مغشوش . ان تحصين السلم الاجتماعي يجب ان يكون اولى الاولويات . و لكي يتحقق الامر ينبغي الانتصار لحقوق المواطنين و تحصين مكتسابتهم بدل التعنث في ارباك الاستقرار دون روية او تمحيص ، و ذلك عبر التراجع المجحف عن المكتسبات .

■■ و من اجل ضمان الاستقرار و تحصين السلم الاجتماعي . و حتى ادلي بدلوي فيما يقع هنا و هناك . حري بي ان اؤكد ما يلي :

☆ ضرورة ايقاف نزيف القدرة الشرائية تحت ضربات النهج الليبرالي المتوحش و الذي يكرسه البرنامج الحكومي الذي يصر على التراجع ، و بتهور ، عن دعم القطاعات الاجتماعية . فتخفيض ميزانيات التعليم و الصحة و التوظيف الذي اصبح تعسفا تشغيل ••• يوطد فكرة استهثار الحكومة ( و بالثالي الدولة ) بحقوق المواطنين . فالتراجع المجحف عن دعم القطاعات الاجتماعية له دلالة واحدة مفادها ان المواطن هو الرقم الأضعف في معادلة الدولة .

☆ العزم عن تعويم الدرهم و تحريره ، مع التعنث في مواصلة رفع الدعم عن صندوق ” المقاصة ” و توزيع المنح عن الفقراء على انقاض الطبقة الوسطى ( الموظفين اساسا ) سيعمق انهيار دور النقابات و الجمعيات في الترافع ، و بالثالي سينتهي الامر الى احتقان حقيقي و تأزم الوضع الاجتماعي . اؤكد ان جميع الاجراءات التي تتخذها الحكومة تندرج في مضمار تدمير السلم الاجتماعي و استفزاز مكشوف لعموم المواطنين . فالمجتمع مستقر بفضل التضامن الاجتماعي . اعترف ان الموظف البسيط يلعب دور الدولة ؛ فهو التأمين الاجتماعي و هو التعاضدية و هو الذي يقدم القروض الصغرى و هو الذي يمول العزاء و الزفاف و العقيقة . و هو الذي يلعب دور المساعدة الاجتماعية و هو وهو •• و كل تدمير للقدرة الشرائية للطبقة الوسطى سينعكس حثما على واقع الطبقات الشعبية . و مخطيء من يظن ان توزيع المنح على الارامل هو ما يضمن السلم الاجتماعي . ان كل اساءة للطبقة الوسطى ستكون له تداعيات وخيمة جدا على السلم الاجتماعي و على الاستقرار .

☆ انصاف الشعب كفيل بترميم الثقة بين مواطن / دولة . فالرفع من نسبة المصوتين في الانتخابات و اعادة الاعتبار للسياسة و تقوية روح الانتماء للوطن و الدفاع الشعبي عن الثوابت و عن الدولة و الوطن ••• كل ذلك لن يتأتى إلا بإنصاف المواطنين و تحقيق سياسات عمومية منصفة . المطلب هنا ليس ضربا من ضروب الخيال . أبدا . فقط حماية القدرة الشرائية للأغلبية الساحقة من المواطنين ، و رد الاعتبار للوظيفة العمومية بدل التشغيل على قاعدة مدونة الشغل ، و انصاف الاقاليم و الجهات المقصية عبر تفعيل صندوق التضامن الجهوي ، و رد الاعتبار للفرقاء الاجتماعيين عبر حوار اجتماعي ممأسس و بنتائج ملموسة ••• كل ذلك قمين بلملة الجراح الحاصلة في القلب الجماعي و بترميم شقوق الجدار الفاصل بين السلم الاجتماعي و الاحتقان .

☆ على المسؤولون ، على اختلاف مسؤولياتهم من ولاة محترمين و عمال . و من السادة وزراء و من البرلمانيين نوابا و مستشارين ، و من منتخبين محليا و اقليميا و جهويا ••• تحمل كامل المسؤولية امام صاحب الجلالة و امام التاريخ و الشعب . فالاصل هو خدمة الصالح العام و ليس اقتناء الاراضي بأثمان بخسة تحت دريعة ” خدام الدولة ” . كما ان البحث عن المصلحة الشخصية للأهل و للأحباب باسم المسؤولية العمومية خيانة للوطن . و اؤكد ان رفع التحديات و تحصين الاستثناء و تقوية اللحمة لن يكون مهما كانت السياسات الامنية حازمة . و لن يتأثى مهما كان واقع الحال الا بالانتصار للجبهة الداخلية .

ان الشعب المغربي قدم الكثير من التضحيات ، و ما تردد يوما في تلبية نداء الوطن . فالمغاربة على مر التاريخ كانوا احرارا اوفياء ؛ لم يقبلوا يوما خيانة و لا و لن يقبلوها . فرجاء التفثوا اليهم و انصفوا قلوبا اظناها الشقاء . حماية الوطن و الايمان بالثوابت ايمان لن نكفر به ما حيينا . و لكن قول الحق شهادة و { و لا تكثموا الشهادة و من يكثمها فإنه آثم قلبه } . لذا كان الطلب واضحا في اصلاح ما يمكن اصلاحه من اجل جبهة داخلية صلبة و متماسكة و ملثفة حول الثوابت .

◇◇ قصدي ان اقول قول حق لا يراد به الا الحق ، حماية الوطن أمانة . و خدمة الشعب الوفي _ الأبي امانة . و تحصين المكتسبات امانة . فلا تستهثروا و لا تستصغروا قدر جرح مهما كان صغيرا .

فيا أيها المسؤولون قدسوا ما حملتم من مسؤوليات جسام . لا تناموا الا وانتم اوفياء و متفانين في خدمة الصالح العام . و يا ايها المنتخبون لا تخونوا العهد الذي سيحاسبكم ” ان العهد كان مسؤولا ” . الثفتوا الى مطالب بني جلدتكم و لا تستكينوا الى نزوات جامحة تأثيكم . و اثقوا الله في امانتكم . و اتقوا الله في المال العام . فكل درهم تحتقرونه حثما يحتاجه الوطن . فلا تخونوا العهد فالله سيحاسبكم لا محالة . و تذكروا انكم مسؤولون اما الملك الهمام و امام الشعب الابي و امام محكمة التاريخ و التاريخ محكمة للافراد و للشعوب . فرجاء لا تخونوا ( بكسر الواو ) غاضبا من استخفافكم ، و لا تكفروا مؤمنا بالعدالة ” كافرا ” بالظلم . و تأكدوا ان الله جلت قدرته يأمركم بالعدل . { يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله و لو على انفسكم او الوالدين و الاقربين } . صدق الله العظيم . و مهما كان الخلاف او الاختلاف على اساس الحزب او القبيلة او شتى اصناف الانتماء ، فإن اقامة العدل من واجبات المؤمن من اجل استثباب الامن و السلم و السلام ؛ { و لا يجرمنكم شنآن قوم الا تعدلوا . اعدلوا هو اقرب للتقوى } . صدق الله العظيم .

سعيد ألعنزي يوم 15 ماي 2017 على الساعة الثانية و خمس و عشرين دقيقة . و به الذكرى ؛ و الذكرى تنفع المومنين . و الله الموفق و هذا الذي بعلم قريرة الاعين و ما تخفي الصدور .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة